دولة الحمدانیّین نموذج للدول الصغیرة فی القرون الإسلامیّة الوسطی. حکم الحمدانیّون فی بلاد واسعة نسبیّاً، تقع بین العراق و ترکیة و سوریة حالیّاً، حکموا منذ 293 إلی سنة 392ق، و تعدّ من جملة الدول الصغیرة التی ظهرت فترة ضعف السلطة المرکزیّة، و زوال عظمة العبّاسیّین.
و قد قاموا بدور مهمّ بین الخلافة العبّاسیّة و اُمراء مصر والروم، و طالبی السلطة من الأتراک والإیرانیّین، و حرکات الخوارج والقرامطة.
و قد استطاع هؤلاء حفظ و نشر التراث الحضاری، سیّما فی عصر سیف الدولة، هذا بالإضافة إلی وقوفهم کالسدّ المنیع أمام هجمات الیزنطیین الذین کانوا یستهدفون بیت المقدس، لیحافظوا علی عنوان إسلامیّة الحکم. و لم ترتض الرعیّة نظام الحکم هذا إلی حدًّ ما، و قد ثارت القبائل الکردیّة والعربیّة ضدّهم مرّات عدیدة، إلا أنّ هذه الاُمور کانت من خصوصیّات الحکومات السائدة آنذاک.
و بصورة عامّة فإنّ حکم الحمدانیّین یمثِّل الحالة المتوسّطة للدول الصغیرة التی حکمت فی القرون الإسلامیّة الوسطی.
یدرس هذا الکتاب الذی یعتمد النظرة العلمیّة والتدقیق فی المصادر الخطّیة والمطبوعة الأولی، دراسات المستشرقین المدوّنة، أرضیة المنطقة الطبیعیّة والاقتصادیّة والاجتماعیّة، ثمّ یبیّن صراعات القوی السیاسیّة، و بروز النشاطات و انحطاط و سقول آل حمدان. کما یتناول حالة الشجاعة والغرور، والشهوة والانتقام، والخدعة والخیانة والدسائس والأمانة، والعلم والفنّ والسلب والنهب والمصائب والابتلاءات الإنسانیّة الصغیرة والکبیرة، فیعطی للقارئ الذی یقرأ الکتاب بشوق ولذّة، رؤیة واسعة و جدیدة فیما یرتبط بهذه الدولة.